اللعب هو لغة الطفل الرمزية للتعبير عن الذات . فالطفل يكشف عن نفسه أثناء اللعب أكثر مما يعبّر بالكلمات، فهو يكشف عن مشاعره بالنسبة لنفسه ولغيره، وعن الأحداث التي مرّت به ، بحيث نستطيع القول ان اللعب هو حديث الطفل واللعب كلماته.
إن سلوك الطفل اثناء اللعب يعطي فكرة عن مدى ثقته بنفسه وطريقته في إستخدام ادوات اللعب تبين قدرته على التعبير عن انفعالاته ، ومن الشكل الذي يرسمه ، يمكن معرفة حاجات الأساسية في البحث عن الحب أو العدوان، ومن الأشكال التي يشيدها أو يبنيها، يمكن أن نفهم شيئاً عن المشكلة التي يعاني منها، خاصة إذا ما حكى لنا قصة عن هذا الشكل.
واللعب نشاط يحبّه الأطفال، ويميلون اليه، بل ويمارسونه نشاطاً مسيطراً طوال مراحل نموهم؛ منذ الولادة سواء كانت هذه الممارسة تلقائية أو موجهة، وقد أظهرت الدراسات الحديثة حول نموّ الأطفال وتطورهم، أن استخدام الطفل بحواسه المختلفة، هو مفتاح التعلّم، وبدون هذا الاستخدام يعاق التعلم والنمو . فمن خلال اللعب يكتشف الطفل بيئته، ويتعرف على عناصرها ومثيراتها المتنوعة والمختلفة، ومن خلال ممارسته لألوان اللعب المختلفة وتفاعله مع مواده وأدواته، يتعلم ثقافة مجتمعه وقيمه، ويطوّر قدراته ومهارات التفكير المختلفة التي يحتاجها عن طريق النمو .
السمات التي تميز نشاط اللعب :
- اللعب كنشاط، معناه أنه من السلوك الحرّ، فلا يمكن إجبار الأطفال على اللعب .
- اللعب سلوك يشتمل دائماً على المتعة والبهجة والتسلية، بالنسبة للذين يمارسونه .
- اللعب سلوك قد يظهر في صور وأشكال مختلفة، فقد يكون فردياً في مرحلة، أو جماعياً في مرحلة أخرى وهكذا ...
- اللعب سلوك يتضمن استخداماً للطاقات الحركية والعقلية للطفل .
- اللعب سلوك يتميز بالسرعة وخفة الحركة، وذلك قد يرجع الى كونه نشاط تلقائي لا قسر فيه .
- الأطفال حين يلعبون، قد يكلّون لكنهم لا يملّون، وهذا نراه واضحاً في سلوك اللعب لدى بعض الاطفال، حين ينامون بجانب ألعابهم، ويواصلون اللعب حال استيقاظهم .
- اللعب هو الحياة لأنه مطلب من مطالب النمو، وحاجة من حاجاته، وسلوك اللعب ليس من الأمور الطارئة التي يمكن الاستتغناء عنها .
اللعب في مراحل نمو الطفل :
يسير النمو في مراحل معينة، كذلك اللعب باعتباره متصلاً اتصالاً وثيقاً بالنمو، يسير أيضاً في مراحل معينة . فالأشياء التي تثير اهتمام الطفل في الثانية من عمره، تختلف عن تلك التي تثير اهتمام طفل السادسة، وعلى هذا يمكن النظر الى اللعب من منظور نمائي، نتعرف من خلاله على المراحل التي يمرّ بها نمو اللعب عند الطفل وذلك على النحو التالي :
اللعب في عمر الأشهر الى العامين :
إن لعب الأطفال الحر التلقائي في هذه المرحلة، تنقصه القواعد والتنظيم، وإنه فردي وليس جماعياً، ويشتق الطفل في بداية الأمر متعة من استثارة أعضاء الحس، ومن اللعب بأطرافه، وعلى ذلك نجد أن الطفل في سن ثلاثة أشهر تنمو قدرته على التحكم في يديه، بدرجة تمكّنه من اللعب باللعب وفي هذا السّن يشتق متعة من الانقلاب على الظهر الى احد الجانبين ، ومن الضرب برجليه والارتداد الى الوضع الاول، ومن الاهتزاز ولمس أصابع قدميه، وملاحظة حركة أصابعه .
وفيما بين سن خمسة الى ثمانية شهور، يصبح اللعب أقل عشوائية ويتكوّن من لعب الطفل في أصابع قدميه والإهتزاز والتلوي وجذب جسمه لوضع الوقوف، واللعب في حركات متناسقة، ويتكوّن لعب الطفل في الربع الأخير من العام الأول من الدفع بالرجلين والاهتزاز، والميل على مسند الكرسي، والدوران حول نفسه، واللعب في أصابع قدميه، والزحف حتى مكان اللعبة، وجذب نفسه الى وضع الجلوس، والوقوف والتسّلق وتحريك الأثاث ونفخ الهواء بفمه.
ولما كان عمره ثمانية عشرة شهراً، كان لا يجلس مستقراً في مكان واحد، اذ يهوى الصعود والنزول على المقاعد والارائك، ويصعد على السرير وينزل من عليه، اكثر من عشرين مرة في خمس دقائق، وكلما صعد أو نزل صفّق لنفسه " آفو – برافو " وطالب الجميع بالتصفيق له وتشجيعه بلفظة برافو . كما أنه كان يهوى اللعب بالرمل، وأسعد لحظاته إذا جلس على الشاطئ يملأ اوانيه الصغيرة بالرمل، خاصة إذا شاركه أحد الكبار في لعبه.
والخلاصة، أنه في خلال العام الثاني من حياة الطفل، يصبح اللعب أكثر تنظيماً، كما تستخدم الألعاب في عدة انواع من اللعب، ففي سن خمسة عشرة شهراً، يلعب الطفل بالأشياء، يلتقطها ثم يقذف بها، ثم يلتقطها ثانية ،وهكذا لفترة طويلة . ونظراً لضعف التناسق العضلي في هذه الفترة، كثيرا ما يحدث أن يدمّر لعبته أثناء لعبه بها ، أو أثناء استكشافه للأشياء المحيطة به ، فهو لا يقصد أن يحطّم قلادةً أمسك بها، كما أنه لا يدرك خطورة جذب ذيل حيوان يقف بجواره، وعندما يصل الى الشهر الثامن عشر، فإنه يجذب اللعب ويحمل أو يعانق الدمية أو الحيوان، ويقلد نشاط الكبار؛ كقراءة الصحف والكتب، ويشترك بحيوية في أي نشاط يدور حوله ، وهو ما زال حتى هذه السّن فردياً في لعبه ودوره في وجود أطفال آخرين هو دور المتفرج ، وفي النصف الثاني من العام يصبح مهتماً بالدمى فيأخذها بين يديه ويربت عليها، كما يميل الى الحيوانات الأليفة، ويقوم بإدخال الأشياء في بعضها البعض، ثم يفصلها عن بعضها، كما ينقل المكعبات من مكانها ليضعها في العربات، أكثر من قيامه ببناء شيء بها، ويرسم خطوطاً عشوائية بالطباشير، كم يقلد اعمال البالغين من حوله، وهكذا، يمكن القول أن أساليب اللعب لدى الأطفال تتطور بشكل جذري، ما بين سن الاثني عشر شهراً والرابعة والعشرين شهراً، فاللعب الذي كان قوامه التعرّف على الأشياء واستكشاف خصائصها الطبيعية، يقل بشكل واضح، ويحلّ محلّه نوعان آخران من اللعب :
1- النوع الاول هوالذي يقرن فيه الطفل الأشياء ببعضها، مثل وضع ملعقة في كوب، أو عمل كومة من المكعبات، وفي هذا النوع من اللعب، يصبح الطفل أكثر تنظيماً، كما إنه يستطيع أن يقوم بتركيبات أكثر تعقيداً، ذلك أن الطفل قد يحول انتباهه من مجرد العلاقات المكانية البسيطة الى العلاقات التي تنتج عدداً من الصفوف أو عدد من الأكوام .
2- النوع الثاني هو اللعب الإيهامي أو الإدعائي، ففي الشهر التاسع عشر من العمر مثلا، يمكن أن يتظاهر الطفل بأنه يطعم دميته أو أنه نائم، بأن يغمض عينيه لو أنه يشرب من كوب فارغ وهكذا..
لعب الاطفال في سن ما قبل المدرسة
يحتاج أطفال ما قبل المدرسة، الى من يساعدهم على التمثيل الدرامي؛ مثل الدمى، وكذلك الى مواد تتيح لهم الفرصة لممارسة الفنون الابتكارية؛ مثل الألوان والرسوم والآلات الموسيقية واجهزة التسجيل للغناء، كذلك يقبل أطفال هذه المرحلة على الدراجات ذات الثلاث عجلات وعربات الجرّ ، ولهذه اللعب دورها في تنمية العضلات الكبيرة . كما يظهر الأطفال اهتمامهم بالبيئة وبالأعمال التي يمارسها الكبار من حولهم، من خلال اللعب بأدوات التنظيف "المكنسة والفوطة و...." وتلعب الآلات الحديثة مثل؛ الكمبيوتر وأفلام الفيديو، دوراً هاماً في تنمية مفاهيم الطفل اللغوية والرياضية، ولكل نوع من اللعب تجهيزاته وأدواته الخاصة بها. وليس من الضروري أن تكون اللعب تجارية جاهزة باهظة الثمن . وهناك اللعب بالرسم واستعمال الالوان والأشكال، مما ينمّي التعبير الإبداعي لدى الطفل، وتنمية مهارات تهيء الطفل للتعليم الأساسي .
ويحتاج الأطفال في هذه المرحلة، الى أدوات اللعب في الهواء الطلق؛ مثل الحبال والأطواق والكرات وأكياس الرمل، والى براميل مفرغة شبيهة بالأنفاق، يسير داخلها الطفل على أطرافه الأربعة، والى أجهزة تسلّق وتزحلق وتعلّق وتوازن وتأرجح، وغيرها من الألعاب التي تنمّي قدرات الطفل ومهاراته الحركية، الى جانب ما تحقّقه من متعة وفرص للتفاعل الاجتماعي، وتنمية مفاهيم عقلية .
تطور اللعب حسب الأعمار .
1- الأطفال في سن الثالثة : تستطيع الأم أثناء اللعب أن تشارك الطفل في الأنشطة الحركية، التي تشعره باللّذة، وتتيح له مزيداً من النضج، وقدراً من المهارة، وتولد لديه الرغبة في الإنجاز والعمل، ويمكن أن تدفعه الى التمثيل الحرّ التلقائي. من هنا كانت الحاجة الى النشاط والحركة واللعب، مما تؤدّي الى إشباع الحاجة في البحث والمعرفة والاستطلاع وبناء الشخصية .
2- الأطفال في سن الرابعة : كثيراً ما نجد هؤلاء الأطفال يفضلون لعب الأدوار كما يزداد عدد الأطفال المشتركين في لعبة واحدة، ولا تخلو من الصراعات على اختيار الأدوار فيما بينهم. وفي نهاية السنة الرابعة، نجد أن الطفل يستطيع أحيانا الانشغال بلعبة معينة تقرب من 40 -50، دقيقة دون ملل .
3- الأطفال في سن الخامسة: نجد أن ألعابهم تتميز ببعض التعقيد والتنويع، نظراً لاكتسابهم المزيد من خبرات الحياة، ولتطور نموّهم وتخيّلهم، فنجدهم يشكّلون لعبهم من واقع الحياة الاجتماعية للكبار، وكثيراً ما نجد انغماسهم في اللعب بدرجة كبيرة، ويغضبون عند محاولة الكبار منعهم عن الاستمرار في اللعب.
مراحل اللعب عند « بياجيه» : يقول « بياجيه » أن اللعب لا يعكس فقط طريقة تفكير الطفل في المرحلة التي يمر بها، بل يسهم أيضاً في تنمية قدراته المعرفية، ويقسم « بياجيه» اللعب الى أربع مراحل :
أولا: اللعب الوظيفي : وهو النوع الوحيد الذي يمارسه الطفل في المرحلة الحسّية الحركية ( منذ الولادة حتى العامين )، ويحدث عادة استجابة للأنشطة العضلية وللحاجة للتحرك والنشاط، فالطفل هنا يقبض على الأشياء لمجرد المتعة التي يجدها في ذلك، لا لغرض التعلّم ،بحيث أن فعله هنا يعطيه الإحساس بأنه يسيطر عليها ويخضعها لقواه .
ثانيا: اللعب الرمزي: في هذه المرحلة من اللعب والتي يطلق عليها « بياجيه» أيضا اسم اللعب الايهامي، يظهر الأطفال قدراتهم الابداعية والجسمية ووعيهم الاجتماعي بعدة طرق، فالطفل يتخيّل نفسه حيوانا أو شخصا آخر (الأم , الأب ,المعلمة ) ويتعامل مع العصا أنها حصان، ويتحدث مع الجماد وكأن به روحا وحياة، وبهذه الطريقة يستكشف الطفل البيئة من حوله ويتدرّب على كيفية التعامل معها .
ثالثا : اللعب وفقا لقواعد : تبدأ هذه المرحلة في حوالي السابعة أو الثامنة من العمر، حيث يستطيع الطفل في هذه السّن، ان يلعب العاباً لها قواعد وحدود، ويكيّف سلوكه وفقا لذلك .
رابعا : اللعب البنائي : وهو يمثل قدرة الطفل المتنامية للتعامل مع المشكلات وفهم حقيقة الحياة والعالم من حوله . كما يتميّز اللعب في هذه المرحلة بنمو الابتكارية والقدرة على ممارسة العاب قد تؤدي الى نمو المعرفة عن طبيعة الأشياء في الحياة . فمن خصائص هذا اللعب، أنه ينمّي المهارة ، وهذه المهارة شرط لنمو الابتكارية ، وكلّما مارس الطفل هذا النوع من الالعاب الذي يخترع فيه الأشياء والطريقة التي يلعب بها، أدى ذلك الى تعلّم بنّاء ونمت قدراته الفكرية .
نماذج من الالعاب :
- الدمى : مثل العرائس ،أشكال الحيوانات ،آلات ،السيارات ...
- اللعب الحركية : العاب الرمي والتركيب، السباق والقفز ، المصارعة ، التوازن والتأرجح ، الجري والعاب الكرة .
- العاب الذكاء : مثل العاب حلّ المشكلات والكلمات المتقاطعة ،الأحاجي ......
- الألعاب التمثيلية : مثل التمثيل المسرحي ، لعب الأدوار .
- القصص والألعاب الثقافية : المسابقات الشعرية ، البطاقات ، القصص ...
